[center][b]عبادة الله وحده هي الغاية من خلق المكلفين، كما أخبر بذلك مولانا رب العالمين في محكم كتابه المبين: { وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنْسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ } (الذاريات:56)، وهي الوسيلة إلى تحقيق سعادة الدارين.
والعبادة في الإسلام لا تقتصر على الشعائر التعبدية الظاهرة المعروفة، بل هي أعم وأوسع، كما بين ذلك أئمة المسلمين وعلماؤهم كشيخ الإسلام ابن تيمية الذي عرفها بأنها "اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأفعال الظاهرة والباطنة".
ومن خلال هذه المقالة سوف نتناول بعض جوانب عبادته صلى الله عليه وسلم، فهو خير العابدين لله سبحانه وتعالى، وسيرته العطرة، توضح ذلك وتبينه خير بيان.
فقد كانت عبادته صلى الله عليه وسلم شاملة متنوعة، لا يطغى فيها جانب على آخر، فكان صلى الله عليه وسلم يحرص على العبادات بكل أنواعها : العامة والخاصة، المفروضة والمندوبة، القلبية والبدنية.
وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم صاحب السبق في كل نوع من العبادة، فهنيئاً لمن اتبعه واقتفى أثره.
فهذا المغيرة بن شعبة يصف لنا اجتهاده في ذلك فيقول: ( قام النبي صلى الله عليه وسلم حتى ورمت قدماه، قالوا قد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر، قال أفلا أكون عبداً شكوراً ) متفق عليه.
ومن العبادات التي كان يُكثر منها النبي صلى الله عليه وسلم ويحافظ عليها، الصيام، ووصفته زوجته أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها فقالت: ( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم حتى نقول لا يفطر، ويفطر حتى نقول لا يصوم، فما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم استكمل صيام شهر إلا رمضان، وما رأيته أكثر صياماً منه في شعبان ) متفق عليه واللفظ للبخاري .
أما في مجال الصدقة، والمبادرة إليها، والمسارعة نحوها، فقد كان صلى الله عليه وسلم صاحب عبادة عظيمة، ومسارعة عجيبة، يُرشد لذلك تلك الحادثة التي يرويها الصحابي الجليل عقبة بن الحارث رضي الله عنه، حيث قال: ( صليت مع النبي صلى الله عليه وسلم العصر، فلما سلم قام سريعاً، فدخل على بعض نسائه، ثم خرج ورأى ما في وجوه القوم من تعجبهم لسرعته، فقال ذكرت وأنا في الصلاة تبراً- أي ذهباً- عندنا، فكرهت أن يمسي أو يبيت عندنا، فأمرت بقسمته ) رواه البخاري .
ومن العبادات التي كان يداوم عليها النبي صلى الله عليه وسلم، وخاصة في شهر رمضان عبادة الاعتكاف في المسجد، والمكث فيه للصلاة والقراءة والذكر وتقوية الصلة بالله عز وجل، والتفرغ لذلك، فقد ذكرت عائشة رضي الله عنها ( أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعتكف العشر الأواخر من رمضان، حتى توفاه الله، ثم اعتكف أزواجه من بعده ) متفق عليه واللفظ للبخاري .
وهكذا أخي القارئ الكريم نجد في عبادته صلى الله عليه وسلم لربه أسوة لمن بعده من العابدين، فهنيئا لمن عرف السبيل فسلكه، ونجى بنفسه من الظلم والهلكة، وصلى الله وسلم على خير العابدين، ومنارة الهدى والسالكين، والحمد لله رب العالمين.