[center][b]لعلي لا أبالغ إن قلت: إن أحدا لم يكن يتوقع قوة الانتصار للنبي المختار صلى الله عليه وسلم، وسعة دائرته في المجــالات والدول والهيئات؛ فقد صار الحدث خبرًا يوميا في سائر النشرات الإخبارية، وأصبح حديث المجالس، وانشغل به عموم الناس وخاصتهم؛ بل صارت له صلة بالدول والحكومات، ولعل من المناسب -في البداية- إيجاز القول في صور هذا الانتصار ومنها:
1- الاستنكار القوي والاعتراض الشديد على الاستهزاء بالنبي -صلى الله عليه وسلم- من خلال خُطب الجمع، ومقالات الصحف، ومشاركات الإنترنت.
2- إنشاء مواقع وصفحات إلكترونية خاصة بالحدث، وتقديم وتيسير سبل الاحتجاج والمخاطبة للجهـات الدانماركية والنرويجية خاصة، والجهات الإسلامية والأوربية والدولية عامة.
3- الدعوة الواسعة الأصداء، الجامعة بين القول القوي والتحرك والتنفيذ العملي في شأن مقاطعة البضـائع الدانماركية على الفور بإخراجها من المحلات والأسواق التجارية.
4- العناية الإعلامية الكبيرة من خلال التغطية والمتابعة الإخبارية، والبرامج والحلقات المباشرة وغير المباشرة الخاصة بالحدث، مع الاستضافات والحوارات حول الموضوع.
5- التذكير والتشجيع الشعبي الجماهيري العام من خلال أحاديث المجالس والديوانيات، ورسائل الجوالات، والبريد الإلكتروني والملصقات والمطبوعات والإعلانات الكبيرة، وملصقات السيارات بزخم كبير لم يُشهد له مثيل.
6- التحرك الحكومي السياسي الذي تمثل في استدعاء السفراء، واستنكار الحدث رسميا، ومقاطعة بعض الأنشطة والبرامج الدانماركية في المجالات الثقافية.
7- طرح الموضوع من خلال وجهات النظر المعاصرة، والمصطلحات المتداولة دوليا، مثل: حوار الحضارات، واحترام الأديان والمقدسات وإدراجها ضمن منظومة حقوق الإنسان.
8- التحرك الشامل في المجالات التخصصية المختلفة؛ إذ شارك في الانتصار المحامون والتجار والصناع والأكاديميون والطلاب والصغار والكبار والرجال والنساء.
9- التضحية بالوقت والجهد والمال للإسهام في جوانب النصرة المختلفة كل بحسبه ووفق قدرته.
10- المتابعة والرصد لآثار الحدث وردود الأفعال الناشئة عن المقاطعة الاقتصادية، والمراسلات الاحتجاجية، والمحاولات القانونية.
ويمكننا القول: إن الأمة الإسلامية في العصر الحديث قلَّما قابلت حدثًا كان له مثل هذا التأثير في القلوب والنفوس، والأقوال والأفعال، والمواقف والمبادئ، ولا عجب في ذلك فالأمر يتصل بالرسول الأكرم صلى الله عليه وسلم، نبي الصدق {وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ...} [الزمر: من الآية 33]، ونبي الرحمة {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ} [الأنبياء: 107]. ونبي الشفاعة العظمى والمقام المحمود {وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا} [الإسراء: 79]. "سيّد ولد آدم يوم القيامة، وأول من ينشق عنه القبر، وأول شافع وأول مُشفَّع" [رواه مسلم]، النبي المصطفى والرسول المجتبى الذي لا يصح لنا إسلام، ولا يثبت لنا إيمان إلا بالإيمان بنبوته، وصدق محبته، والإقرار بعظمته، والاتباع لسنته، فله في قلوب المسلمين المكانة العظمى والمحبة الكبرى، يجددون بها ما كان عليه أسلافهم من الصحابة رضوان الله عليهم كما وصفهم واحد من أعدائهم، وهو عروة بن مسعود الثقفي حيث قال: "أي قوم والله!! لقد وفدت على الملوك، ووفدت على قيصر وكسرى والنجاشي، والله إن رأيت ملكًا يُعظمه أصحابه ما يُعظّم أصحاب محمد محمدًا، والله إن تنخَّم نُخامة إلا وقعت في كف رجل منهم فدلك بها وجهه وجلده، وإذا أمرهم ابتدروا أمره، وإذا توضّأ كادوا يقتتلون على وضوئه، وإذا تكلّموا خفضوا أصواتهم عنده، وما يُحدّون النظر إليه تعظيمًا له" [رواه البخاري]. وكانوا يفدونه بأرواحهم ولسان حالهم ومقالهم يجسّد مقالة أبي طلحة الأنصاري يوم أحد: "نحري دون نحرك يا رسول الله"، فلا مجال للتعرض لمقامه، أو الانتقاص لقدره صلى الله عليه وسلم، ومن هنا جاءت تلك الهبة العظيمة التي يمكن أن نرى خيراتها ومنافعها الجديرة بالاهتمام والاغتنام، وهذه بعضها نوردها تحدُّثًا بنعمة الله:
أولا: الفوائد المعنوية التربوية
1- ظهور وإظهار قوة وصدق محبة وعظمة الرسول الكريم -صلى الله عليه وسلم- في نفوس المسلمين.
2- تحرك الغيرة الإيمانية والحمية الإسلامية انتصارًا ودفاعًا عن رسول الإسلام عليه الصلاة والسلام.
3- تجلي صورة وحدة وتكاتف الأمة في الملمات عندما يتعلّق الأمر بالأمور العظام كالتعرّض لخير الأنام صلى الله عليه وسلم.
4- رفع الهمم وشحذ العزائم بثبوت قدرة الشعوب الإسلامية على العطاء والتأثير، وإزالة أسباب العجز والتفريط والتقصير.
5- ازدياد الوعي بأهمية وعظمة دور الدين عند المسلمين، وكونه الأساس الذي ترتبط به حياتهم، والتعميم لذلك في واقع المسلمين، والتعريف به لغير المسلمين،
ومعارضة كل ما يُعارض ذلك من الناحية الفكرية أو العملية.
6- الشعور والإدراك الحقيقي لمعنى الإساءة إلى الدين، والعدوان على مقدسات المسلمين، والانتباه إلى نظائر ذلك في أفعال الآخرين كالصهاينة الغاصبين في فلسطين، والأمريكان المجرمين المحتلين في العراق وأفغانستان، وغير ذلك من صور وممارسات العدوان.
7- التأكيد على أهمية عقيدة الولاء والبراء، والفهم الصحيح لها في ظل وجود العدوان والاعتداء.
8- ازدياد روح البذل والتضحية والعطاء على حساب رغبة المسلم وشهوته، أو المحافظة على ماله وثروته، أو الإيثار لسلامته وراحته.
ثانيا: الفوائد العملية الحياتية:
1- الوضوح العملي للأثر القوي للاقتصاد من خلال أثر المقاطعة للبضائع والمنتجات الدانماركية، وأهمية توظيف القدرة الاقتصادية للدفاع عن الأمة وتحقيق مصالحها.
2- بروز أهمية الاستقلال الاقتصادي وخاصة في مجال الغذاء والدواء، وأهمية رفع شعار "نأكل مما نزرع، ونلبس مما نصنع".
3- ظهور أهمية التكامل الاقتصادي بين الدول العربية الإسلامية، والتركيز على إحياء التوجه نحو التكامل بين الدول الإسلامية وهي كثيرة في عددها، وغنية في مواردها، ومتنوعة في منتجاتها.
4- وضوح الأثر الإيجابي لوسائل الإعلام عند استخدامها في المجالات المهمة والقضايا الجوهرية في حياة الأمة، ووجود العناية بذلك من خلال الاستخدام المتميز لشبكة الإنترنت، والمناداة بإنتاج الأشرطة والأقراص الممغنطة، والعمل على إعداد إعلانات وبرامج تلفزيونية، وعبّر عن ذلك الكاتب أحمد أبو زيد في الحياة فقال: "هذه الأحداث الجسام هي التي تشكل وعي أبنائنا، وهي التي تجعلهم يهتمون بشأن الأمة العربية والإسلامية، بعد أن عمدت معظم القنوات الفضائية إلى تهميش وتسطيح قضاياهم من خلال بث وتركيز متعمد على حياة المشاهير من المطربين والمطربات ونجوم الرياضة من اللاعبين، حتى بات معظم الشباب من الجنسين على دراية تامة بأدق تفاصيل هذه الشخصيات التي أقل ما يُقال عنها إنها لم تضع لبنة واحدة في بناء المجتمع وتقدمه ولحاقه بركب الحضارة والتطور التكنولوجي" [ صحيفة الحياة- الجمعة 4-1-1427هـ].
5- وضوح قوة تأثير الجانب السياسي في شتى صوره؛ فالمملكة التي استدعت سفيرها، واستنكر مجلس وزرائها، واعترض مجلس شوراها، يُعد فعلها نموذجًا للأثر والتأثير الإيجابي فيما يتعلق بعقيدة ومقومات وهوية الأمة، كما يبدو الأثر مضاعفًا عند توافق وتطابق العمل الحكومي والشعبي كما في هذا الأمر.
وهكذا نرى أن هذه النصرة أبرزت تسخير الأمة لبعض قدراتها الاقتصادية والإعلامية والسياسية وغيرها في الاتجاه الصحيح المرتبط بهوية الأمة وتحقيق مصالحها، وتجلّى الأثر الإيجابي لذلك، لقد كانت النصرة شاهدًا على محبة حقيقية لا زائفة، وغيرة صادقة لا كاذبة، وحركة عملية لا دعائية، وإيجابية جماعية لا فردية، ومن هنا ينبغي اغتنام هذه الفوائد والعمل على الحفاظ عليها أولا، وتطويرها وحسن توجيهها واستثمارها ثانيًا، ونريد لها أن تكون مستمرة لا منقطعة، ومنضبطة لا فوضوية، وشرعية لا مزاجية، وهذا ما سأكتب عنه بإذن الله.